مصطفى غريب عضو مميز
عدد الرسائل : 78 العمر : 34 الموقع : www.sasasoso2006.jeeran.com تاريخ التسجيل : 30/03/2008
| موضوع: بر الوالدين الأحد أبريل 13, 2008 11:42 am | |
| أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد-صلى الله عليه وسلم-وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ثم أمّا بعد: أيّها الناس، اتقوا الله-تعالى-حقَّ التقوى،فإنها وصية الله للأولين والآخرين، {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} النساء: من الآية131، أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى، وأحسنوا إن الله يحب المحسنين. معشر المسلمين: في عصرنا الحاضر جحود بالفضل ونكران للجميل وانغماس في الشهوات وقمع بالباطل وفرار من معاني الروح وتسابق إلى أحضان المادة. في مجتمعنا الحالي عقوق للآباء وبغض للأقرباء وحسد بين الجيران وغدر بالأصحاب وخيانة للأمانة وغش في المعاملات، فإلى أين تسير؟! قف ـ أيها الغافل ـ قليلاً كي نبين الطريق ونحدّد الغاية وإلا فالنهاية الخاسرة تنتظرنا إن لم نعمد إلى نفوسنا فنقومها، وأخلاقنا فنحسنها، وطباعنا فنهذبها، ومعاملاتنا فنصلحها. ولنبدأ بالنفس فننير لها السبيل ونحدّد ما لها من حقوق وما عليها من واجبات، فإذا استقامت رسخت دعائم المجتمع قوية متماسكة، تستقيم النفس بالتربية، والتربية مصدرها الأول الوالدان، وهما موضوع حديثنا. أيها المسلمون، إن العار والشنار والويل والثبور أن يفاجأ الوالدان بإنكار للجميل، كانا يتطلعان إلى الإحسان ويؤملان الصلة بالمعروف، فإذا بهذا المخذول قد تناسى ضعفه وطفولته، وأعجب بشبابه وفتوته، وغره تعليمه وثقافته، وترفع بجاهه ومرتبته، يؤذيهما بالتأفف والذم، ويجاهرهما بالسوء وسيّئ القول، يقهرهما وينهرهما. يا أبناء الإسلام، رضا الوالدين و برهما سبب في حلول الفَرَج إذا بلغت الشدة غايتها وتسهيل العسير وتحقق الأماني، وقصة أصحاب الغار برهان على ذلك. الولد البار ـ يا أبناء الإسلام ـ يهنأ بعمره ويطمئن في عمله، وتحفه السعادة من كل جانب، وفي الحديث: ((من بر والديه طوبى له، زاد الله في عمره)) ضعفه الألباني، فما أحلى الحياة إذا طال فيها العمر وانبسط فيها المال وغمرتها السعادة، وما أهنأ العيش إذا رافقته طمأنينة النفس وراحة الضمير ومحبة الناس عباد الله : لقد أمر الله تعالى بالإحسان بالوالدين فقال تعالى بعد الأمر بعبادته وحده: وقضى ربك ألا تعبدوا إلا أياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً [سورة الإسراء:22-24]. إن بر الوالدين يعتبر من أحب الأعمال إلى الله وأفضلها بعد الصلاة، سئل النبي – -: أي العمل أحب إلى الله، وفي رواية: أي العمل أفضل، قال: ((الصلاة على وقتها، قيل: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قيل: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله)). رواه البخاري ومسلم – عليهما رحمة الله -. والحديث عن بر الواليدن عبارات حديثٍ عن حق لا ينسى، وأنى للعبارات عن بر الوالدين أن توفيهما حقهما؟! إنه حديث عن الأمّ التي تحملت ما يفوق الوصف عن آلام الحمل والولادة وهموم الرضاع، سهر بالليل ونصب بالنهار في سبيل الرعاية والحماية لوليدها. إنها الأم التي تذبل لذبول وليدها، وتغيب بسمتها إن غابت ضحكته، وتذرف دموعها إن اشتد توعكه، وتحرم نفسها الطعام والشراب من أجله، وتلقي نفسها في النار لتنقذه، وتتحمل من الذل والشقاء أمثال الجبال كي يحيا ويسعد.
إن حق الأم على الولد عظيم، وشانها كبير، فلا تدعُها باسمها، بل نادها بما تحبّ من اسم أو كنية، لا تجلس قبلها، ولا تمشي أمامها، قابلها بوجه طلق، قبل رأسها، والثم يدها، إذا نصحتها فبالمعروف من دون إساءة، أجب دعوتها إذا دعتك من دون ضجر أو كراهية، تكلم معها باللين، أطعمها إذا جاعت، أو اشتهت صنفًا وإن تأنيت في ذلك، أهدها قبل أن تسأل شيئًا، تحسَّس ما تحبّ فاجلبه لها، كن خادمًا مطيعًا لها، أطعها في غير معصية، لا تسبقها بأكل أو شرب، أبهجها بالدعاء لها آناء الليل وأطراف النهار بالرحمة والمغفرة، غضّ الطرف عن أخطائها وزلاتها، لا تتأسّف أو تحدّث أحدًا عن سبيل الشكاية أو النكاية، وقّـرها واحترمها، لا تتكبّر عليها فقد كنت في أحشائها وبين يديها، أدخل السرور عليها، صاحبها بالمعروف، اطلب الدعاء منها فله تفتح أبواب السماء. إنها الأم التي يرقص قلبها إذا ضحك الوليد، ولا تسعها الدنيا نشوة إذا حبا أو مشى، وتسمع نغم الدنيا في كلمته، وترى الحياة كلها نورًا وجمالاً وهي تراه مع الصبيان يلعب أو إلى المدرسة يذهب. إنها الأم التي طعامك درها، وبيتك حجرها، ومركبك يداها وصدرها وظهرها، تحيطك وترعاك، وتجوع لتشبعك أنت، وتسهر لتنام أنت، فهي بك رحيمة وعليك شفيقة. إنها الأم التي تعيش لولدها ومعه، وهي تنتظر الأيام الحاسمة في حياتها وحياته حين ينجح ويكسب ويتزوج هل يكون لها في ولدها نصب أم كل جهودها وتضحياتها وآمالها تذهب أدراج الرياح؟! وهو كذلك حديث عن الأب الذي من أجلك يكدّ ويشقى لراحتك، يروح ويسعى ويدفع عنك صنوف الأذى، ينتقل في الأسفار يجوب الفيافي والقفار ويتحمّل الأخطار بحثًا عن لقمة العيش. عباد الله : إذا كان ذلك كذلك فلقد انقسم الأولاد إلى قسمين حيال هذه القضية، وبينهما قسم ثالث يتجاذبه الطرفان . أما القسم الأول من الأولاد فهو من هش لوالديه وبش، وسارع إلى خدمتهما بما يستطيع، مفرغاً وقته وجهده لوالديه، مستشعراً التقرب إلى الله تعالى في خدمتهما، وهو يعلم أن الله تعالى خاطبه وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَـٰنَ بِوٰلِدَيْهِ إِحْسَـٰناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَـٰلُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً [الأحقاف:15]. ويدرك أن نبيه صلى الله عليه وسلم أوصى بذي الشيبة المسلم خيراً ((إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم)) فما بالك إذا كان ذو الشيبة أحد والديه، إنه يتلمس حاجة والده ،أو والدته، ويبدأه بالسؤال عما يريد ويشتهي، ولا يتبرم من أي جواب يصدر عن أحدهما حتى وإن كان قاسياً في بعض الأحيان، فبعض كبار السن أو غالبهم ربما أغلظ في الجواب حيناً، وربما سارع بالتذمر والشكوى، ولكن مدى الشكوى قريب، ولعلها رد فعل مباشر للمعاناة من الهجران أو القطيعة. وقسم آخر من الأولاد ضرب بالواجب عرض الحائط، فلم يبال بأمر والديه وقد كبرا في السن وضعفت قواهما، وأصبحا مخدومين بعد أن كانا هما الخادمين، فهو لا يزورهما إلا لماماً، وعند الجلوس معهما يشعر بالضيق وكأنه في سجن ينتظر أن يفرج عنه لينعم بالخروج من هذا الهم الذي ركبه، ليأنس مع زوجه وصديقه، إنه لم يجعل لوالديه إلا الفضول من وقته ،و في الأوقات الضيقة التي سرعان ما تنتهي بحضور وقت صلاة أو وجبة ونحو ذلك، إن طلبا منه شيئاً تثاقل، وإن اشتكيا إليه أمراً تمهل، يبحث عن المعاذير التي تحول دون تلبية رغبتهما، يستكثر ما يبذله لهما من وقت أو مال، يرى أن خدمة زوجه وبنيه في الدرجة الأولى، وللوالدين ما يفضل من الاهتمام والوقت. وبعض الأبناء هداهم الله يستخف بكبير السن ويعتقد أن دوره في الحياة قد انتهى، ويرى أنه لا فائدة في إشراك والده الشيخ في اتخاذ رأي أو طلب مشورة لأنه لم يعد له الدور السابق مما يسبب له الإحباط نفسياً ويجعل كبير السن عرضة للإصابة بضيق الصدر والشعور بالعقوق، بل ويعرضه للأمراض النفسية والعضوية، وحجة من يفعل هذا الصنيع أن التعامل مع كبار السن صعب، وأنهم يحتاجون إلى زمن طويل للتفاهم معهم، ولذا آثروا البعد عن النقاش معهم، بل تجد البعض من الأفراد إذا جلسوا في مجلس لتبادل الأحاديث، وكان معهم كبير سن خفتوا من أصواتهم لئلا يسألهم عن هذا الموضوع أو ذاك فيشغلوا أنفسهم بالجواب الذي يحتاج إلى تكرار ليفهم المراد. فلله كم دمعة ذرفها والد أو والدة على ما يلاقيان من الجحود والاستكبار من أولادهما، كم زفرة حرى انطلقت من أب مكلوم، أو أم رؤوم، يشتكيان الهجر والقطيعة ومن أقرب الناس إليهما، ويا لله كم من أب وأم تمنى أن لم يرزق بأولاد شقي معهم أول عمره، وها هو يشقى بهم في آخره، كم حسرة دفنت مع والد في قبره، وكم غصة ضاق بها جوف أم لم تحتمل ما ترى، كم من والد تمثل مع الشاعر قائلاً: غذوتك مولـوداً وعلتك يافعـاً تعل بما أجنـي عليـك وتنهل إذا ليلة ضـافتك بالسقم لم أبت لسـقمك إلا سـاهـراً أتململ كأني أنا المطروق دونك بالذي طرقت به دوني فعيناي تهمل تخاف الردى نفسي عليك وإنها لتعلم أن الموت وقـت مؤجل فلما بلغت السـن والغاية التي إليهـا مدى ما فيك كنت أؤمل جعلت جزائي غلظـة وفظاظة كأنـك أنت المنعـم المتفضل فليتك إذ لم تـرع حق أبوتـي فعلت كما الجار المجاور يفعل تـراه معـداً للخـلاف كأنـه بـرد على أهل الصواب موكل بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم
--------------------------------------------------------------------------------
| |
|