السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وهدايته ~
.. بينما كانت العائلة مجتمعة وسط ضحكات الأطفال و حكايا الجد ، كان التلفاز يلوّن تلك السهرة بألوانه الضوئية ، يعمل و لا ينظر إليه أحد ..
و كأن وجوده لزاماً لإحياء تلك الجلسة ، تتغنج فيه تلك المتصابية يميناً ويساراً كاسيةً جلدها بعريٍ إلا قليلا .. تُلحّن كلمات يُقسم سامعها أنّ كاتبها طفل لم يبلغ أدراج الدراسة ..
تُعرض نفسها على العالم كـ سلعة رخيصة يئست من أن تقدّر بثمن ، وبينما هي تتراقص و الصوت يعلو مسامع الحاضرين ، أردفت الأخت الكبرى مقولة بضجر من تلك المتغنّجة " غيروا هالمحطة .. خلينا نتأثم على شي عدل !! "
بقيت تلك المقولة ترن في أذني أختها التي تصغرها بقليل .. ترن في عقلها .. في قلبها .. في جوارحها وكأنها تلقت صفعة أيقظتها من سبات غفلة ، وبدأت تحدّث نفسها
" ما هو الإثم الذي سيقع وما هو العقاب إذن ، أهو هين ؟ لدرجة أننا نستخف به هكذا ..؟ وما هو " الشيء العدل " الذي يستحق أن نتأثم عليه .. ما هي تلك اللذة الرائعة التي نستحق أننا نصبر على العذاب و العقاب لأجلها ؟! .. "
وأتى صباحٌ أخر .. لم يستيقظ أحد بعد .. سوى تلك الفتاه الحائرة ، توجهت للمجلس و فتحت التلفاز لتقلّب في محطاته و " خلينا نتأثم على شي عدل !! " ترن في رأسها
اختارت قناة الأغاني بالطبع فهي القناة المفضلة لديها ، تستمع لأغنية و تسأل نفسها أتستحق هذه أن أعاقب لأجلها .. ؟!
ثم ترى نفسها وبتلقائية بحته قد أخفضت صوت التلفاز على آخره .. انتظرت الأخرى و التي تليها واللواتي يتلونها والصوت مكتوم ..!!
نعم استيقنت أنّ لاشيء من هذا يستحق أن تعاقب عليه ولو كان عقاباً يسيراً فكيف بنار الله الموقدة فكيف بحديدٍ مصهور يصب في حساسية الأذن ؟!
عن أنس قال: قال رسول الله : ( من استمع إلى قينة صُب في أذنيه الآنك يوم القيامة ) والآنك هو الرصاص المُذاب،
الأيام تتوارى و الصوت مكتوم و هي تراقب و أضواء التلفاز تنعكس على وجهها ، وبينما هي على هذه الحالة تذكرت
قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( العين زناها النظر, والأذن زناها السمع, واللسان زناه الكلام واليد زناها البطش والرجل زناها المشي ,والقلب يهوى ويتمنى, والفرج يصدق ذلك أو يكذبه)
أطفأت تلك الفتاة التلفاز ولم تعاود فتحه مرة أخرى ..!! ..
..نعم ذلك ما حدث ، فقد أبصر الله قلبها و هدى روحها ، فأصبحت واعية .. لله داعية .. ولله الحمد، ،
قال تعالى : " أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا " .. !
~ لمَ الأغــانـي ؟!
.. تعالوا يا أحبه لنسأل أنفسنا .. لم نحن قوم إذا أمرنا خالقنا بشيء أو نهانا عنه نُحكّم هوانا ، هل يناسب هوانا ذلك الأمر أم نتعدى حدود الله فنؤمن بما نريد ونكفر بما هو وراءه !
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم : ( يمسخ قوم من هذه الأمة في آخر الزمان قردة وخنازير ، قالوا يا رسول الله أليس يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ؟
قال صلى الله عليه وسلم : بلى ويصومون ويصلون ويحجون ، قيل : ما بالهم ؟ قال صلى الله عليه وسلم : اتخذوا المعازف والدفوف و القينات ، فباتوا على شربهم ولهوهم فأصبحوا وقد مسخوا قردة وخنازير )
تعالوا لنسأل هوانا .. لم الأغاني يا هوى ؟ .. مالذي يعجبك فيها ويجعلك تتغافل عن حرمتها .. ؟!
لم الأغاني يا هوى ؟!
أفيها لذة يا هوى ! .. فما بال سامعيها ينتحرون .. بكل وادٍ هم يهيمون ..يغرقون فيها و في معانيها فما تزيدهم والله إلا هماً فوق هم ،
وإن كانت نسبة اللذة حاصلة وحاضرة قبل إجثام الحزن على القلب
قال تعالى : " وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً "
فهل تستحق يا هوى جراء تلك اللذة المتلاشية العيش تلك المعيشة الضيقة ثم يتلوها عذابٌ في الآخرة ؟!
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة ، ثم يقال : يا ابن آدم هل رأيت خيراً قط ؟ هل مرّ بك نعيمٌ قط ؟ فيقول : لا والله يارب ! "
أكثر أهل الدنيا نعيماً بعد صبغة واحدة في النار يمكر أنه استلذ بشيء في حياته ..!!
خلق الله لنا عقول لنحكّمها في أمورنا لكننا نتركها في عطلة أبدية .. ليتخبّط فينا الهوى دياجيراً نهايتها نار الله الموقدة ..!
فهل من حكّم عقله وَ رجح صوابه .. يترك ذكر الله لينشغل بمعازفٍ ومغاني لتسقيه الحزن
وَ الكآبة في حياته وَ الخزي وَ العذاب في آخرته
يترك الراحة الحقّة وَ الاطمئنان السخي وَ النعيم اللامتناهي بذكر خالقه ..
قال عزّ وَ جل : " ألا بذكر الله تطمئن القلوب "
هي ليست وصفه من طبيبٍ خبير ولا نفساني كبير
هي إرشاد ٌ من الوليّ القدير !
فهنيئاً لمن طابت حياته واطمئّن فيها ثم ارتحل لليوم الآخر فجوزي بالنعيم الخالد ..
فلا تظن أنّ قوله تعالى ( إن الأبرار لفي نعيم ، وإن الفجّار لفي جحيم )
يختص بيوم المعاد فقط بل هؤلاء في نعيم بدُورهم الثلاثة " الدنيا ، وَ البرزخ والآخرة "وَ أولئك في جحيم في دُورهم الثلاثة ! .. وأي لذة و نعيم في الدنيا أطيب من بر القلب
وَ سلامة الصدر ، و معرفة الرب تعالى و محبته و العمل على موافقته ! " .. عن ابن القيم
أتعلم أنك بسماعك لذلك العزف تُحرّم على نفسك وتجعلها تخسر وتفوّت سماع الغناء في الجنة ولن أتحدّث عن الفرق فلك التخيّل
قال يحيى بن معاذ : في طلب الدنيا ذل النفوس ، وفي طلب الآخرة عز النفوس ، فيا عجبا لمن يختار المذلة في طلب ما يفنى ..ويترك العز في طلب ما يبقى.
- حـبُ الكتـابِ وحـبُّ ألحـان الـغنَـا ، في قلبِ عبدٍ ليـس يجتمعــان~!
يا مُسلم من أين تستشفي شريعتك وَ تعرف منهج حياتك ، من أين تقرأ رسالة الرب لك ؟ !
أوليسَ من القرآن ؟! .. فكيف إذاً تستمع إلى المعازف ثم تأتي لتدبر القرآن و هما لا يجتمعان في قلب واحد ..
لا يسمح إحداهما بمتسع للآخر ليشاركه المكان .. و الاختيار لك !
قال ابن القيم عن الغناء : " الغناء هو جاسوس القلوب، وسارق المروءة، وسُوسُ العقل، يتغلغل في مكامن القلوب، ويدب إلى محل التخييل فيثير ما فيه من الهوى والشهوة والسخافة والرقاعة والرعونة والحماقة، فبينما ترى الرجل وعليه سمة الوقار وبهاء العقل وبهجة الإيمان ووقار الإسلام وحلاوة القرآن، فإذا سمع الغناء ومال إليه نقص عقله، وقل حياؤه، وذهبت مروءته، وفارقه بهاؤه، وتخلى عنه وقاره وفرح به شيطانه وشكا إلى الله إيمانه، وثقل عليه قرآنه "